حكاية وأصالة وقيمة الأبواب السبعة لمدينة البليدة
قبل 479 سنة من لحظة كتابة هذه السطور
وبالتحديد سنة 1535م، نزل العالم سيدي أحمد الكبير بشعبة وادي الرمان بالمتيجة
واستقدم وفودا من الأندلسيين بعد سقوط غرناطة وشيدوا مدينة سموها “البليدة”، والتي
تحتفظ إلى اليوم في تقسيماتها وأزقتها ومعمارها بطابع أندلسي خاص وموسيقى وطبخ
وطقوس.
الشيخ سيدي أحمد الكبير كان من جملة الأندلسيين
الذين نزحوا إلى القطر الجزائري في النصف الأول من القرن السادس عشر، عُرف عنه
الورع والتقوى وإتقانه لشؤون الري والفلاحة، والبستنة، حل بناحية وادي الرمان التي
كانت آهلة بقبيلة أولاد سلطان وهم فرقة من بني خليل، وتزوج بامرأة محلية.. شق
الترع والقنوات وأوصل المياه إلى قلب البليدة واعتنى بالزراعة وغرس البساتين،
فكثرت المساكن حول الوادي في المدينة الجديدة التي أطلق عليها اسم البليدة “البلدة
الصغيرة” سنة 1535 م، وشجعت هذه الأعمال الكثير من الأندلسيين على الاستقرار
بالمنطقة وطلب سيدي أحمد الكبير من الباشا خير الدين العثماني الترخيص لاستقبال
وفود الأندلسيين، وبنى لهم أحياء خاصة بهم في “الجون” وفي ساحة التوت.. يقول
الأستاذان بقسم التاريخ بجامعة البليدة 2، سيدي موسى محمد وكواتي مسعود في
مؤلفهما “أعلام مدينة الجزائر ومتيجة”.. “وأشّر وصول الأندلسيين إلى البليدة بداية
مرحلة أعمق تطورا وكان دخولهم صالحا إلى المنطقة”.
حكاية الأبواب السبعة
مدينة البليدة خلال العهد العثماني كان لها نظامُها وجوامعها وسور محيط،
وكانت المدينة بكاملها تقع داخل ذلك السور المبني من الطابية أو التراب، يقول بن
يوسف أوراغي مؤرخ البليدة الأول لـ”الشروق اليومي”، وكانت تتخله سبع أبواب
وهي: باب الجزائر، باب الرحبة، باب القبور، باب السبت، باب الزاوية، باب الخويخة
وباب القصبة.
باب الجزائر “باب الدزاير” هو الباب
الرئيسي ويقع بمدخل البليدة الشرقي وسمي كذلك لأنه يطل على الطريق المؤدي إلى
الجزائر العاصمة، ويعدّ أكبر الأبواب، يقع بالقرب منه جامع بابا محمد الذي حوّله
الفرنسيون إلى ثكنة للمشاة سنة 1840. وثاني باب هو باب الرحبة ويقع بين الكنيسة
البروتيستانتية وحمام “المزالت” أو ما يعرف بمدرسة كازناف، ويؤدي إلى سوق الحبوب
أو المنطقة التي كانت رحبة وفضاءً مفتوحا للتسوُّق يستقطب “الجبايلية” وهم
القاطنون بضواحي المدينة حيث تعرض هناك مختلف المنتوجات والمحاصيل الزراعية.
باب القبور هو ثالث باب وموقعه القديم
حديقة “بيزو” حاليا، أخذ هذا الاسم نسبة إلى مقبرة غير المسلمين أو النصارى
بالجوار. وبمخرج المدينة غرباً نجد باب السبت، وسمي هكذا حيث يمر عبره البليديون
ويتوجهون إلى السوق الأسبوعية التي تقام بمدينة موزاية كل يوم سبت وبالتحديد حوش
سمارة أو بوسمارة حاليا، وهي السوق التي لازالت إلى غاية اليوم تقام كل سبت
بالمدينة. فـ”باب الزاوية” والواقع قبالة مدخل شارع فلسطين “شارع الكسندر الأول
سابقا” وعبره كان يعبر السكان إلى زاوية الولي الصالح “سيدي مجبر” بالبليدة.
أما باب الخويخة فأصل تسميته تركي، أي
“كويخة” أو الباب الصغير وهو معروف لدى القاطنين بالقرب منه فقط، في حين أن
الباب السابع هو باب القصبة نسبة إلى نبات “القصب الحر” الذي كان ينمو في ذلك
المكان من المدينة، يوضح عمي بن يوسف أوراغي.
بيت لحبوس عقوبة من تأخر في العودة
الأبواب السبعة لمدينة البليدة كانت
مصنوعة من خشب، ذات شكل مقوَّس ووضع نظام حراسة خاص بها، تفتح مع طلوع الفجر وتغلق
وقت المغرب عدا أكبر الأبواب وأوسعها هو “باب الدزاير” الذي يغلق استثناءً
مع أذان صلاة العشاء لانتظار المسافرين القادمين من العاصمة نظرا لبعد الطريق،
ليُسدّ بوضع دفتين من خشب وقفل “زكروم” من حديد، ويقول بن يوسف أوراغي إن الحارس
الكبير الذي يحمل مفاتيح الباب الرئيسي ينادي نصف ساعة قبل أن يحين موعد إغلاقه في
أرجاء المدينة على طريقة “التبراح” ويقول “الباب… الباب” ليخرج الغرباء عن
المدينة من غير سكانها، أما من تأخر في الدخول إلى المدينة وخالف النظام المعمول
به، فمهما كانت ظروفه، فما عليه غير قضاء الليلة كاملة والنوم جنبا إلى جنب مع
نعوش الموتى إلى غاية بزوغ فجر اليوم الموالي والتي كانت توضع بدار الحبوس التابعة
لجامع باب محمد المقابل.
الأبواب صارت صليباً مع الفرنسيين
استمرت أبواب البليدة تسير بنظامها
إلى أواخر العهد العثماني ومع احتلال الفرنسيين المدينة تغيّر الوضع ولم يستمر
السور على حاله، ففي الفترة ما بين 1865 إلى غاية 1869 عكف الجيشُ الفرنسي وبقرار
من “مير” بلدية البليدة على إعادة بناء السور من الحجارة بارتفاع أربعة أمتار وهدم
القديم المنخفض وتغيّر شكل الأبواب ووُضعت المفاتيح والأقفال الحديدية لضمان أمن
وسلامة المستوطنين بعد المقاومة العنيفة التي عُرفت بـ”ثورة الريف” أواخر نوفمبر
1840 وشارك فيها نحو 7000 بليدي تحت قيادة الحاج محمد بن زعموم والحقوا خسائر
فادحة بالمعمرين.
ومع ازدياد كثافة السكان أزالت
البلدية السور لتوسيع الطريق العام وزرعت أشجار الحمضيات من الشمال إلى الجنوب ومن
باب الدزاير شرقا إلى باب دزاير غربا، ما جعل مخطط المدينة يبدو على شكل صليب،
فضلا عن تحويل الجوامع إلى معابد للمسيحيين واليهود ومستشفيات وثكنات للعسكر
الفرنسي كما حدث بمسجد السطمبولي سنة 1863 والذي حُوِّل جزء منه إلى معبد لليهود،
يؤكد المؤرخ بن يوسف اوراغي.
ماضٍ لم يبق منه إلا الإسم
البليدة كان لها سورٌ و”بيبان” أما
واقع الأبواب السبعة اليوم فصار ماضيا ولم يبق منها غير الاسم، وأما المدينة
العتيقة فتنتحب ولا تحتفظ سوى بأسواق وأزقة أذهبت السنون والأعوام برونقها ومبان
غاب الكثيرُ منها وتهدَّم نتيجة الإهمال.
المصدر: الشروق أونلاين
Enregistrer un commentaire